ان حرص الانسان علي إبداء رأيه يجب أن يعادل حرصه علي أن يسمع رأي غيره وهذا الواجب شرعي قبل أن يكون واجباً أخلاقياً أو سياسياً أو اجتماعياً أو علمياً. والذين يحبون رأيهم ويكرهون رأي غيرهم يحكمون علي أنفسهم بالحرمان من مصدر أساسي لتكوين المعلومات التي تمكنهم من الوصول للحق. ومعرفة الرأي الصائب فيما يتخبطون فيه من الأمور. وهذا المسلك منهم يدل علي الأنانية والاستبداد والعزوف عن معرقة الحق. والاعتداد بآرائهم مع الاعجاب بأنفسهم. وقد ذم الله من يعجبون بآرائهم الخاطئة. ويحرمون أنفسهم من تصويب مسلكهم بالاستماع إلي رأي الآخرين فيهم أو نصحهم. وذلك في قوله تعالي: "قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا".
وإذا كان الاستبداد بالرأي مذموماً في الأمور الحياتية والمسائل العامة لأنه يحرم المجتمع من الرأي الموضوعي الذي يحقق مصالحه ويحفظ مقوماته. فإنه في أمور الدين يعد محرماً. لأنه يحرم المتعلم من تنمية علمه. ويغلق عليه أبواب الاستزادة من العلم ويحكم عليه بالجمود والتخلف. وهذا مخالف لما يشير إليه قول الله تعالي: "وقل رب زدني علما". فإن من يطلب الزيادة في العلم من ربه لا يصح له أن يقف عند حد معين في طلب العلم وإلا كان مخالفاً لهذا التوجيه القرآني اللازم لزيادة الحصيلة العلمية لدي طلاب العلم في كل زمان ومكان. كما أن هذا المسلك يؤدي إلي جملة من المفاسد الدينية والدنيوية. لأنه يحول دون إصدار رأي صحيح في الأمور التي تحتاج إلي مناقشات عامة أو اجتهاد جماعي. وإذا كان من المفترض أن الرأي العلمي مقصود به الإصلاح الدنيوي. فإن الوقوف دون تنميته بالاستفادة من آراء الآخرين يؤدي إلي القعود عن تحقيق تلك المصالح الدنيوية علي النحو المطلوب ومن ثم يئول الأمر في النهاية إلي فساد ديني ودنيوي كبيرين.
ان بعض المناقشين في المسائل العلمية يحبون أنفسهم حباً شديداً ويعجبون بآرائهم إعجاب الطفل بلعبته. فلا يحبون أن يستمعوا لرأي الآخرين. ولا يطيقون أن يسمعوا غير ما يقولونه. وإذا سمعوه بادروا إلي كدمه بالصوت العالي والانفعال السريع انهم الجهال الذين دسوا بأنفسهم في صفوف العلماء دون أن يتخلقوا بأدب العلم والعلماء.